الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فحديثي إلى شريحة غالية على قلوبنا من هم في منزلة آبائنا وأعمامنا وأخوالنا ولكنهم للأسف استولى عليهم الشيطان وأعرضوا عن طاعة الرحمن وإن كانوا قلة بحمد الله في المجتمع المسلم. فإليهم أتحدث ناصحا لهم مشفقا عليهم: يا من بلغت الستين من عمرك أو أكثر من ذلك. يا من ذهبت بك السنون والأعوام. يا من عاصرت الأحداث وتغير الأحوال العامة. يا من مررت بأحوال كثيرة من فقر وغنى ومرض وعافية وأمن وخوف. يا من عركتك الحياة بهمومها وأحزانها وكدرها. يا من تعرفت على كثير من الأشخاص وفرقك عنهم الموت أو ظروف الحياة. يا من كان لك أصحاب وخلان تودهم وتحبهم وتؤثرهم فمضوا إلى الآخرة وتركوك. يا من مرت عليك مشاهد مؤثرة ومواقف مؤلمة لا يمكننك نسيانها وتناسيها. إلى متى وأنت غافل تعيش في سكرة حب الدنيا. إلى متى وأنت مفتون بطول الأمل كأنك ستخلد في هذه الدنيا. إلى متى وأنت مفرط في جنب الله. إلى متى وأنت تارك لفرائض الله وطاعته. إلى متى وأنت مقيم على المعاصي تبارز الله. إلى متى وأنت مدمن لشرب المسكرات. إلى متى وأنت تقارف الفواحش وتجاهر بها. إلى متى وأنت قاطع للرحم. إلى متى وأنت آكل للربا لا تبالي بالحرام. إلى متى وأنت مغرور متغطرس تتكبر على عباد الله. إلى متى وأنت مصر على كبيرة من كبائر الذنوب لم تحدث لها توبة وتقلع عنها. وسواء أنت واقع في جميع هذه الذنوب أو بعضها فأنت في غفلة عظيمة وبلاء مستطير إلا أن يتغمدك الله برحمته. ألم تسمع إلى قول الله تعالى وهو يعظ ابن آدم ويعاتبه: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ). قال ابن عباس: (العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } ستون سنة). وأنت هداك المولى طعنت في الستين وكساك الشيب ولم تتذكر وترعوي عن الغي. ألم تسمع إلى حبيبك المشفق عليك في قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخَّر عمره حتى بَلَّغَه ستين سنة). رواه البخاري. ومعناه أن الله عز وجل أتم عذره إلى عبده حين أطال عمره حتى بلغ الستين بحيث لم يترك له أدنى عذر أو شبهة لأنه أقام كمال الحجة عليه فشاهد ورأى وسمع من دلائل الحق ومواعظ الإيمان ومشاهد العبرة والعظة. فيا من بلغت الستين انقطعت حجتك ولم يبق لك عذر عند الله وعظم حسابك فمتى تستيقظ. قال قتادة: (اعلموا أن طول العمر حجة فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر).