احلام الشمس مشرفه قسم
تاريخ التسجيل : 05/08/2010 عدد المساهمات : 434 نقاط : 948 السٌّمعَة : 1
| موضوع: ضجيج الفكر اليومي الخميس أكتوبر 21, 2010 9:38 am | |
| يبدو لي أن أخطر ما يواجه حياتنا هو الفكر اليومي الذي تسيطر عليه الملاحظات والانطباعات العابرة علي بعض الظواهر المتفجرة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية.
يحل الانطباع محل الدراسة والبحث لما وراء الأزمات والمشكلات والتوترات والاحتقانات, وربما يعود ذلك إلي بعض من بقايا الشخصية الفهلوية ـ وفق حامد عمار ـ التي لا تميل دائما إلي الإيمان العميق والجدي بالمنطق والمنهج العلمي أيا كان في تتبع منابت الظاهرة الاجتماعية أو السياسية, ويميل دائما إلي التعامل مع الجوانب السطحية حتي يسهل عليه الالتفاف حولها ببعض الإجراءات الطفيفة والجزئية والمحدودة التي تجعله يشعر بإنجاز موهوم, وذلك كي لا يتعرض للمساءلة أو النقد أو الجزاء إذا كان ينتمي إلي كبار موظفي الدولة, من رئيس وزراء أو وزير أو محافظ أو ما دونهم! ما هي الأسباب الكامنة في شيوع الفكر اليومي لدي كبار المسئولين وغيرهم في بلادنا؟ يبدو لي أن ذلك يعود إلي عديد الأسباب وعلي رأسها: 1 ـ سيطرة العقل الآداتي البيروقراطي والتكنوقراطي ونزعته الفنية الفهلوية التي تميل إلي الاستعراضية في مواجهة المشكلات الاجتماعية, لا التصدي لعواملها الأساسية. 2 ـ تدهور مستويات التكوين والتأهيل الوظيفي لكبار الموظفين العموميين أو الصحفيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات... إلخ. يمكن أيضا أن نشير إلي أن ثمة شيوع لثقافة اللا مسئولية واللا مبالاة والأناماليه وروح الأثرة المريضة الشائعة بين غالب الجمهور, وكراهة الصالح العام التي نستطيع تلمسها فورا في سلوك الصفوة السياسية الحاكمة والمعارضة معا في طرائق تعاملهم مع غالب مشكلات الدولة والمجتمع حيث يغيب مفهوم المصلحة العامة. يبدو الفكر الانطباعي اللا مسئول في عديد المظاهر وعلي رأسها إحالة بعض المشكلات إلي تقلبات الطبيعة, أو ارتفاع درجات حرارة أو برودة الجو كما حدث مؤخرا في بعض المحاصيل الزراعية, وإسناد النقص السلعي وارتفاع الأسعار إلي درجات الحرارة المرتفعة! أي الميل إلي اختزال وابتسار المشكلة في تفسير خارج إطار المسئولية, وللتنصل منها, ليت هذا فحسب بل يعزو بعضهم النقص في بعض الحاصلات الزراعية, أو ارتفاع أسعارها في السوق الدولية كما في حال عمليات استيراد القمح من الخارج, لبعض التغيرات البيئية, وذلك علي الرغم من أن الظروف الطارئة هي جزء لا يتجزأ من شروط التعاقد مع أي جهة من الجهات, ومن ثم لابد من التحوط إزاءها مع الجهة المتعاقد معها سواء أكانت روسيا أو غيرها من الدول. نمط الإحالة إلي عوامل خارج نطاق الإرادة السياسية والقانونية, هو شكل من أشكال الهروب من المسئولية وتبعاتها سواء علي المستويات السياسية والأخلاقية أو القانونية أو الإدارية. هذا المنطق يعني وبوضوح أن كل ما هو خارج الإرادة يعني عدم دراسته أو متابعته. ويزداد هذا التوجه اللا مسئول لدي بعض الوزراء أو رؤساء الوزراء أو كبار الموظفين العموميين بغياب الوعي التراكمي, ونقصد به وقوع بعض الأحداث الطارئة وتزايدها وتكرارها, ومع ذلك لا يدرسونها ويخططون للتعامل معها سواء في سياساتهم أو قراراتهم أو تعاقداتهم مع الجهات الخارجية, أو حتي داخل مؤسسات وأجهزة الدولة. ويترتب علي غياب التفكير العلمي والتراكمي, تكرار الأزمات واستمراريتها ووقوع عديد الأحداث الاستثنائية والطارئة والعادية وعدم القدرة علي مواجهتها, بل والارتباك أمامها! إذا تجاوزنا في بعض الأحيان بعض جماعات المصالح والضغط والنفوذ الاقتصادي الذين يستوردون بعض السلع الاستراتيجية القمح واللحوم... إلخ وغيرها, ويحول بعضهم دون اتخاذ قرارات سياسية أو تنفيذية بتغيير في هيكل الزراعة أو في السياسة الزراعية بما يتواءم مع احتياجات السوق ونمط الاستهلاك السائد لدي الأغلبية الساحقة من المصريين ومن ثم تحقيق حد الأمان الغذائي لهم. دائما ما سيكون التبرير هو سيد المواقف كلها, وساعد علي هذا الفكر اليومي التبريري الذي يحاول الالتفاف حول الأزمات والمشكلات المستمرة أو الطارئة, هيمنة الميديا المرئية علي عيون وعقول غالب المصريين حيث سياسة الانطباع هو الوجه الآخر للفكر الانطباعي السطحي الذي يملأ حياتنا ضجيجا في السياسة والجامعات والصحافة والإعلام وأجهزة الدولة, وفي الأسواق والقطاع الخاص, وهكذا في كل تفصيلات الحياة اليومية! الجميع يتبرعون بإبداء انطباعاتهم السريعة علي كل شيء الجميع تحولوا إلي مفتيين يصدرون الفتاوي في الاقتصاد والبيئة وأحوال الطقس والدين والاقتصاد والثقافة والإعلام! نواجه موجات تلو أخري من لغو الكتابة والكلام والطبل الأجوف, وبحيث لم يعد هناك إلا قليلا مكان أو نافذة يطل منها أهل العلم والمعرفة من العلماء والخبراء للحديث في مشاكلنا التي تتراكم وتتزايد وتتسارع إيقاعاتها بلا حلول. تفكيرنا الانطباعي والسطحي الغالب علي الكثيرين, تجده في البرامج التلفازية المحلية هي كذلك فكرا وفهما وتسطحيا أو في الفضائيات. لا أحد يقبل حضور العلم والمعرفة والثقافة والفلسفة كي تشارك في تشخيص أمراضنا القومية السياسية أو الصحية أو الاجتماعية أو الدينية.. إلخ, وذلك لأن الكلام العامي والمهجن ببعض من اللغة العربية البسيطة الفارغ لدي بعضهم هو وسيلة للوصول إلي الجمهور وتحقيق نجومية بعضهم التلفازية والصحفية, ولا يدري هؤلاء أن هذا التسطيح جعلهم جزءا من مشاكلنا المعقدة, وطرائق تفكيرنا المحلية التي جعلت مصر وشعبها معزولة عما يجري في الإقليم والعالم. خذ مثلا مشكلة التفاوض حول اتفاقية جديدة لتوزيع الحصص المائية بين دول نهر النيل المنبع والشاطئ والمصب كنتاج لمحاولة تسعير المياه أو بروز احتياجات وطلب جديد علي زيادة الحصص, وتأثير ذلك علي احتياجات مصر المائية في المستقبل المتوسط والبعيد, أمور نوقشت منذ أوائل عقد الثمانينيات حول تطور احتياجاتنا المائية المستقبلية في ضوء عديد السيناريوهات المتصلة بازدياد عدد السكان في مصر ودول النهر, وفي نطاق سياستنا الزراعية, ونوقشت بعض القضايا الأمنية التي تتصل بهذا الجانب, فضلا عن بعض الاهتمامات الإسرائيلية وعلاقاتها الأفريقية ولاسيما في ظل تمددها, وتراجع دورنا الأفريقي في أثناء حكم الرئيس السادات ولبعض الأمراض الثقافية والعرقية لدي النخبة المصرية الحاكمة والمثقفة ذات الهوي الأورو ـ أمريكي! ونظرتها الاستعلائية التي تعكس مركبات نقص نفسية وسياسية وثقافية وعرقية, وتناسينا أن أفريقيا ودول نهر النيل ساحر الوجود وفق محمود حسن إسماعيل تتغير وتتشكل لديهم نخب جديدة تعلمت وتكونت في أوروبا وأمريكا وفي الجامعات الكبري وعمل بعضهم في مراكز البحث المرموقة والمؤسسات الدولية, بينما نعتمد نحن في التجنيد النخبوي علي الواسطة والنفوذ من عناصر ذات تعليم محلي ردئ وجامعات خارج نطاق التصنيف الدولي. من هنا بدا للبعض أننا نواجه أمورا طارئة واستثنائية في مجال المياه, وفي التعامل مع السياسة الإسرائيلية أين معرفتنا بما يجري هناك كما كان الأمر قبل كامب ديفيد؟!-, أو في ترك الساحة أمام تنامي وتمدد الدورين التركي العثمانلي والإيراني, وهذا الوهن والهرم الذي يشيع في غالب الفكر والثقافة والسياسة والمجتمعات العربية علي اختلافها, بحيث أصبحنا محض عالة علي عالمنا ومخترعاته وإنتاجه وعلومه, ولا نملك سوي الاستهلاك الردئ لما نستطيع معرفته أو فهمه لأن جامعاتنا ومراكز البحث ليست سوي مسميات علي واقع لا يحملها علي الإطلاق! الفكر اليومي وفق مهدي عامل- وسياسة الانطباعات اللا مسئولة, هي التي جعلت بعض الغلاة من رجال الدين يحولون حياتنا إلي جحيم من فرط تشددهم وتعصبهم وأصبحوا يحتلون حياتنا وأفكارنا وأرواحنا, لأن حياتنا وأفكارنا ومعاشنا هي حرام في حرام هكذا, وأصبحوا سلطة علي ضمائرنا وأرواحنا وتصرفاتنا, يفتون ويعظون في كل شئ بعلم أو بلا علم وهذا هو الغالب في الفضائيات والشوارع! خذ مشعلو الحرائق الطائفية وأسبابها كتب فيها رصدا وتعليلا وتحليلا وعلاجا عديد الدراسات الجادة, ولا أحد يقرأ ولا أحد يدرس في عمق أعماق المسألة الطائفية وكيف تطورت إلي حد وصولها إلي مستويات انقسامية ورأسية خطرة تكسر وحدة الأمة المصرية وسلامتها وأمنها لاعتبارات تتصل بدور بعض رجال الدين يحاولون بناء تاريخ للمسلمين, وتاريخ للأقباط وذاكرة جماعية مستقلة لكليهما, وذلك علي خلاف الحقائق التاريخية, والإنتاج التاريخي المشترك للأمة الحديثة والدولة القومية. هل نترك بعض رجال الدين المتشددين يحاولون صناعة بطولات ومكانة علي أشلاء وحدة الأمة وسلامة الوطن والمواطنين! هل نترك الساحة أمام ترويج بعض الأوهام والأساطير بين الناس أم علينا مواجهة ذلك والتصدي بقوة القانون الحديث علي محاولات ومساءلة من يخرج علي حدود سيادة القانون. حياتنا لابد أن تخضع للدولة والقانون الحديث ولمشتركات الثقافة المدنية التي أسس لها المصريون جميعا الأقباط والمسلمون معا يدا بيد وفكرا بفكر, من خلال الرأسمال المدني والرمزي والخبراتي المشترك, ويجب رفع كافة العوائق والتمييزات أيا كانت أمام المشاركة السياسية والمجتمعية الكاملة للأقباط وضرورة تمتعهم الكامل بحقوق المواطنة, من هنا نستعيد ميراثنا المدني المشترك ونحاسب كل من يحرض علي انقسامنا, لكن هذا يفترض محاربة الفكر اليومي الانطباعي والفكر الديني المتعصب لأن كليهما يشكل أحد مسببات الحرائق الطائفية!
| |
|
مجدي نابلس نائب مدير المنتدي
تاريخ التسجيل : 29/04/2010 عدد المساهمات : 3472 نقاط : 4375 السٌّمعَة : 2
| |